الإغريق والرومان. يعد علماء الإغريق أول من اكتشف الرياضيات البحتة بمعزل عن المسائل العملية. أدخل الإغريق الاستنتاج المنطقي والبرهان، وأحرزوا بذلك تقدمًا مهمًا من أجل الوصول إلى بناء نظرية رياضية منظمة. وتقليديًا يعد الفيلسوف طاليس أول من استخدم الاستنتاج في البرهان، وانصبَّ جل اهتمامه على الهندسة حوالي 600 ق.م.
اكتشف الفيلسوف الإغريقي فيثاغورث، الذي عاش حوالي 550 ق.م.، طبيعة الأعداد، واعتقد أن كل شيء يمكن فهمه بلغة الأعداد الكلية أو نسبها. بيد أنه في حوالي العام 400 ق.م. اكتشف الإغريق الأعداد غير القياسية (وهي الأعداد التي لا يمكن التعبير عنها كنسبة لعددين كليين)، وأدركوا أن أفكار فيثاغورث لم تكن متكاملة. وفي حوالي 370 ق.م. صاغ الفلكي الإغريقي يودوكسوس أوف كنيدوس نظرية بالأعداد غير القياسية وطوّر طريقة الاستنفاد، وهي طريقة لتحديد مساحة المنطقة المحصورة بين المنحنيات، مهدت لحساب التكامل.
وفي حوالي 300 ق.م قام إقليدس ـ أحد أبرز علماء الرياضيات الأغريق ـ بتأليف كتاب العناصر، إذ أقام نظامًا للهندسة مبنيًا على التعاريف التجريدية والاستنتاج الرياضي. وخلال القرن الثالث قبل الميلاد عمَّم عالم الرياضيات الإغريقي أرخميدس طريقة الاستنفاد، مستخدمًا مضلعًا من 96 ضلعًا لتعريف الدائرة، حيث أوجد قيمة عالية الدقة للنسبة التقريبية باي (وهي النسبة بين محيط الدائرة وقطرها). وفي حوالي العام 150 ق.م. استخدم الفلكي الإغريقي بطليموس الهندسة وحساب المثلثات في الفلك لدراسة حركة الكواكب، وتمّ هذا في أعماله المكونة من 13 جزءًا. عرفت فيما بعد بالمجسطي أي الأعظم.
وأظهر الرومان اهتمامًا ضئيلاً بالرياضيات البحتة، غير أنهم استخدموا المبادئ الرياضية في مجالات كالتجارة والهندسة وشؤون الحرب .
الرياضيات عند العرب. قام علماء العرب المسلمون بترجمة وحفظ أعمال قدامى الإغريق من علماء الرياضيات بالإضافة إلى إسهاماتهم المبتكرة.
وألف عالم الرياضيات العربي الخوارزمي كتابًا حوالي عام 210هـ، 825م، وصف فيه نظام العد اللفظي المطور في الهند. وقد استخدم هذا النظام العشري قيمًا للمنزلة وكذلك الصفر، وأصبح معروفًا بالنظام العددي الهندي ـ العربي كما ألف الخوارزمي كذلك كتابًا قيمًا في الجبر بعنوان كتاب الجبر والمقابلة، وأخذت الكلمة الإنجليزية من عنوان هذا الكتاب.
وفي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي أدخل النظام العددي الهندي ـ العربي إلى أوروبا نتيجة ترجمة كتاب الخوارزمي في الحساب إلى اللاتينية. ونشر الرياضي الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي عام 1202م كتابًا في الجبر عزز من مكانة هذا النظام. وحل هذا النظام تدريجيًا محل الأعداد الرومانية في أوروبا.
وقدم فلكيو العرب في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي إسهامات رئيسية في حساب المثلثات. واستخدم الفيزيائي العربي المسلم الحسن بن الهيثم أبو علي خلال القرن الحادي عشر للميلاد الهندسة في دراسة الضوء. وفي بداية القرن الثاني عشر الميلادي ألف الشاعر والفلكي الفارسي عمر الخيام كتابًا هامًا في الجبر. ووضع عالم الرياضيات الفارسي نصير الدين الطوسي في القرن الثالث عشر الميلادي نموذجًا رياضيًا إبداعيًا يستخدم في الفلك. انظر: العلوم عند العرب والمسلمين (الرِّياضيات).
عصر النهضة الأوروبية. بدأ المكتشفون الأوروبيون في القرنين الخامس عشر والسادس عشر البحث عن خطوط تجارية جديدة لما وراء البحار مما أدى إلى تطبيق الرياضيات في التجارة والملاحة، ولعبت الرياضيات كذلك دورًا في الإبداع الفني، فطبق فنانو عصر النهضة مبادئ الهندسة وابتدعوا نظام الرسم المنظوري الخطي الذي أضفى الخداع في العمق والمسافة على لوحاتهم الفنية، وكان لاختراع الطباعة الآلية في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي أثر كبير في سرعة انتشار وإيصال المعلومات الرياضية. وواكب عصر النهضة الأوروبية كذلك تطور رئيسي في الرياضيات البحتة. ففي عام 1533م نشر عالم رياضيات ألماني اسمه ريجيومانتانوس كتابًا حقق فيه استقلالية الهندسة كمجال منفصل عن الفلك. وحقق عالم الرياضيات الفرنسي فرانسوا فييت تقدمًا في الجبر، وظهر هذا في كتابه الذي نشر عام 1591م.
الرياضيات والثورة العلمية. مع حلول القرن السابع عشر، ساهم ازدياد استخدام الرياضيات ونماء الطريقة التجريبية في إحداث تغيير جذري في تقدم المعرفة، ففي العام 1543م ألف الفلكي اليولوني نيكولاس كوبرنيكوس كتابًا قيمًا في الفلك بين فيه أن الشمس ـ وليست الأرض ـ هي مركز الكون. وأحدث كتابه اهتمامًا متزايدًا في الرياضيات وتطبيقاتها. وعلى الأخص في دراسة حركة الأرض والكواكب الأخرى. وفي عام 1614م نشر عالم الرياضيات الأسكتلندي جون نابـيير اكتشافه للوغاريتمات وهي أعداد تستخدم لتبسيط الحسابات المعقدة كتلك المستخدمة في الفلك. ووجد الفلكي الإيطالي جاليليو ـ الذي عاش في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر ـ أنه يمكن دراسة أنواع كثيرة لحركة الكواكب رياضيًا.
وبين الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في كتابه الذي نشر عام 1637م، أن الرياضيات هي النموذج الأمثل للتعليل، وأوضح ابتكاره للهندسة التحليلية مقدار الدقة واليقين اللذين تزودنا بهما الرياضيات.
وأسس الرياضي الفرنسي بيير دو فيرما، وهو أحد علماء القرن السابع عشر، نظرية الأعداد الحديثة. كما اكتشف مع الفيلسوف الفرنسي بليس باسكال نظرية الاحتمالات. وساعد عمل فيرما في الكميات المتناهية الصغر إلى وضع أساس حساب التفاضل والتكامل.
وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي اكتشف العلاّمة الإنجليزي السير إسحق نيوتن حساب التفاضل والتكامل. وكانت أول إشارة إلى اكتشافه هذا في الكتاب الذي نشر عام 1687م. واكتشف الرياضي والفيلسوف الألماني غوتفرين فلهلم لايبنين ـ كذلك وبشكل مستقل ـ حساب التفاضل والتكامل في منتصف عام 1670م، ونشر اكتشافاته ما بين 1684م و 1686م.
التطورات في القرن الثامن عشر الميلادي. خلال أواخر القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر قدمت عائلة برنولي ـ وهي عائلة سويسرية شهيرة ـ إسهامات عديدة في الرياضيات. فقد قدم جاكوب برنولي عملاً رائدًا في الهندسة التحليلية، وكتب كذلك حول نظرية الاحتمالات. وعمل أخوه جوهان كذلك في الهندسة التحليلية، والفلك الرياضي والفيزياء. وساهم نقولا بن يوهان في تقدم نظرية الاحتمالات، واستخدم دانيال بن يوهان الرياضيات لدراسة حركة الموائع وخواص اهتزاز الأوتار.
وخلال منتصف القرن الثامن عشر طور الرياضي السويسري ليونارد أْويلر حساب التفاضل والتكامل وبين أنّ عمليتي الاشتقاق والتكامل عكسيتان. وبدأ عالم الرياضيات الفرنسي جَوزِيفْ لاجْرانْجْ في نهاية القرن الثامن عشر العمل لتطوير حساب التفاضل والتكامل على أسس ثابتة، فطوّر حساب التفاضل والتكامل مستخدمًا في ذلك لغة الجبر بدلاً من الاعتماد على الفرضيات الهندسية التي كانت تساوره الشكوك حولها.
في القرن التاسع عشر. اتسع نطاق التعليم العام بسرعة كبيرة وأصبحت الرياضيات جزءًا أساسيًا في التعليم الجامعي. ونشرت معظم الأعمال المهمة لرياضيات القرن التاسع عشر كمراجع. وكتب الرياضي الفرنسي أَدريان ماري ليجندر في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر عدة مراجع مهمة، وبحث في حساب التفاضل والتكامل والهندسة ونظرية الأعداد. ونُشرت في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر مراجع مهمة في حساب التفاضل والتكامل لعالم الرياضيات الفرنسي أوجستين لويس كوشي، وأحرز كوشي وعالم الرياضيات الفرنسي جين ببتيست فورييه تقدمًا هامًا في الفيزياء الرياضية. وأثبت عالم الرياضيات الألماني كارل فريدريك جاوس النظرية الأساسية في الجبر، ونصها: أن لكل معادلة جذرًا واحدًا في الأقل. وأدت أعماله في الأعداد المركبة إلى ازدياد تقبلها. وطور جاوس في العشرينيات من القرن التاسع عشر هندسة لا إقليدية ولكنه لم ينشر اكتشافاته هذه، كما طور الهنغاري يانوس بولياي، والروسي نيكولاي لوباشفيسكي وبشكل مستقل ـ هندسات لا إقليدية. ونشرا اكتشافاتهما هذه نحو عام 1830م وطور الألماني جورج فريدريك ريمان في منتصف القرن التاسع عشر هندسة لا إقليدية أخرى.
ومع مطلع القرن التاسع عشر ساهمت أعمال عالم الرياضيات الألماني أوجست فرديناند ميبس في تطوير دراسة الهندسة، وسميت فيما بعد الطوبولوجيا التي تعنى بدراسة خواص الأشكال الهندسية التي لا تتغير بالثني أو المد. انظر: الطوبولوجيا.
وفي أواخر القرن التاسع عشر عمل عالم الرياضيات الألماني كَارْلْ ثُيُودورْ فَيْسْتْراس على وضع أسس نظرية متينة لحساب التفاضل والتكامل. وطوّر تلميذه جُورْجْ كانتور في العقدين الثامن والتاسع من القرن التاسع عشر نظرية المجموعات ونظرية رياضية للمالانهاية. أُنْجِزَ معظم العمل في الرياضيات التطبيقية في القرن التاسع عشر، في بريطانيا حيث طوْر تشَارْلْزْ بايبج الآلة الحاسبة البدائية. ووضع جورج بولي نظامًا في المنطق الرمزي. وقدم عالم الرياضيات الفرنسي جُولْ هنْري بوانكاريه خلال نهاية القرن التاسع عشر إسهامات في نظرية الأعداد والميكانيكا السماوية والطوبولوجيا ودراسة الموجات الكهرومغنطيسية.
يتبع ,,,